قوله جلّ ذكره: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا}.وَدَّ أهل الطاعات أَنْ لو استكثروا منها، ووَدَّ أهل المخالفات أَنْ لو كبحوا لجامهم عن الركض في ميادينهم، قال قائلهم:ولو إنني أُعْطِيتُ من دهري المُنَى *** وما كلُّ مَنْ يُعْطَى المنى بِمُسَدَّدِلَقُلْتَ لأيامٍ مَضَيْن: ألا ارجعي *** وقلتُ لأيام أتيْن ألا ابعديقوله جلّ ذكره: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ}.الإشارة من قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَه} للعارفين، ومن قوله: {وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ} للمستأنفين، فهؤلاء أصحاب العنف والعنوة، وهؤلاء أصحاب التخفيف والسهولة.ويقال لمَّا قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَه} اقتضى أسماع هذا الخطاب تحويلهم فقال مقروناً به: {وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ} لتحقيق تأميلهم، وكذلك سُنَّتُه يطمعهم في عين ما يروعهم.ويقال أفناهم بقوله: {وَيُحَذِّركُمُ اللهُ نَفْسَهُ} ثم أحياهم وأبقاهم بقوله: {وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ}.