سورة آل عمران - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


لا يَعْزُبُ معلوم عن علمه، فلا تحتشم من نازلة بك تسوءك، فعن قريب سيأتيك الغوث والإجابة، وعن قريب سيزول البلاء والمحنة، ويُعَجِّلُ المدَدَ والكفاية.


قوله جلّ ذكره: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا}.
وَدَّ أهل الطاعات أَنْ لو استكثروا منها، ووَدَّ أهل المخالفات أَنْ لو كبحوا لجامهم عن الركض في ميادينهم، قال قائلهم:
ولو إنني أُعْطِيتُ من دهري المُنَى *** وما كلُّ مَنْ يُعْطَى المنى بِمُسَدَّدِ
لَقُلْتَ لأيامٍ مَضَيْن: ألا ارجعي *** وقلتُ لأيام أتيْن ألا ابعدي
قوله جلّ ذكره: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ}.
الإشارة من قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَه} للعارفين، ومن قوله: {وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ} للمستأنفين، فهؤلاء أصحاب العنف والعنوة، وهؤلاء أصحاب التخفيف والسهولة.
ويقال لمَّا قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَه} اقتضى أسماع هذا الخطاب تحويلهم فقال مقروناً به: {وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ} لتحقيق تأميلهم، وكذلك سُنَّتُه يطمعهم في عين ما يروعهم.
ويقال أفناهم بقوله: {وَيُحَذِّركُمُ اللهُ نَفْسَهُ} ثم أحياهم وأبقاهم بقوله: {وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ}.


{تُحِبُّونَ اللهَ} فرق، و{يُحْبِبْكُمُ اللهُ} جمع.
{تُحِبُّونَ اللهَ} مشوب بالعلة، و{يُحْبِبْكُمُ اللهُ} بِلا عِلّة، بل هو حقيقة الوصلة. ومحبة العبد لله حالة لطيفة يجدها من نفسه، وتحمله تلك الحالة على موافقة أمره على الرضا دون الكراهية، وتقتضي منه تلك الحالة إيثاره- سبحانه- على كل شيء وعلى كل أحد.
وشرطُ المحبةِ ألا يكون فيها حظٌّ بحال، فَمنْ لم يَفْنَ عن حظوظه بالكلِّية فليس له من المحبة شظيَّة.
ومحبة الحق للعبد إرادته إحسانَه إليه ولطفَه به، وهي إرادةُ فضلٍ مخصوص، وتكون بمعنى ثنائه سبحانه عليه ومدحه له، وتكون بمعنى فضله المخصوص معه، فعلى هذا تكون من صفات فعله.
ويقال شرط المحبة امتحاء كليتك عنك لاستهلاكك في محبوبك، قال قائلهم:
وما الحبُّ حتى تنزف العين بالبكا *** وتخرس حتى لا تجيب المناديا
وهذا فرق بين الحبيب والخليل؛ قال الخليل: {فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى} [إبراهيم: 36].
وقال الحبيبُ: {فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ}.
فإن كان مُتَّبعُ الخليل منه إفضالاً فإن متابعَ الحبيبِ محبوبُ الحقِّ سبحانه، وكفى بذلك قربة وحالاً.
ويقال قطع أطماع الكافة أن يسلم لأحدٍ نفس إلا ومقتداهم وإمامهم سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم.
ويقال في هذه الآية إشارة إلى أن المحبة غير معلولة وليست باجتلاب طاعة، أو التجرد عن آفة لأنه قال: {يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} بيَّن أنه يجوز أن يكون عبد له فنون كثيرة ثم يحبُّ اللهَ ويحبُّه الله.
ويقال قال أولاً: {يُحْبِبْكُمُ اللهُ} ثم قال: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} والواو تقتضي الترتيب ليُعْلَمَ أَنَّ المحبةَ سابقةٌ على الغفران؛ أولاً يحبهم ويحبونه (وبعده) يغفر لهم ويستغفرونه، فالمحبة توجِب الغفران لأن العفو يوجب المحبة.
والمحبة تشير إلى صفاء الأحوال ومنه حَبَبُ الأسنان وهو صفاؤها.
والمحبة توجب الاعتكاف بحضرة المحبوب في السر.
ويقال أحب البعير إذا استناخ فلا يبرح بالضرب.
والحبُّ حرفان حاء وباء، والإشارة من الحاء إلى الروح ومن الباء إلى البَدَن، فالمُحِبُّ لا يَدَّخِر عن محبوبه لا قلبَه ولا بَدَنَه.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13